الدرجـة الأولى: الذين ينفون جميع الأسماء وجميع الصفات، وهم الباطنية وغلاة الجهمية، وهَؤُلاءِ فرق كثيرة يقولون: لا نثبت له لا اسماً ولا صفة، حتى أنهم قالوا: لا نقول موجود ولا غير موجود، فالباطنية يقولون: ننفي الصفة وننفي ضدها، فالنفي عندهم شامل للسلب والإيجاب معاً، لا نقول موجود ولا غير موجود، فلا يوصف الله بشيء، وهذا أعلى درجات الكفر، وهم بلا شك خارجون من الملة.
الدرجـة الثانية: المعتزلة: وهَؤُلاءِ يثبتون الأسماء وينفون جميع الصفات، يقولون -مثلاً-: عزيز بلا عزة، حكيم بلا حكمة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، عليم بلا علم.
الدرجـة الثالثة: الذين يثبتون الأسماء ويثبتون بعض الصفات وينكرون بعضها، وهَؤُلاءِ هم الأشاعرة وهم مضطربون فـالباقلاني -مثلاً- وهو من أقدم أئمتهم يثبت بعض الصفات كالوجه واليد والعين، لكن أتى من بعده الجويني إمام الحرمين فنفى ذلك.
ثُمَّ استمر من بعده يتدرجون في النفي والتجهم، إِلَى أن جَاءَ الرازي، الذي يكاد أن يكون معتزلياً، ثُمَّ بعد ذلك يأتي الإيجي صاحب المواقف فيصبح المذهب مذهباً فلسفياً وكذا الآمدي والأرموي وأمثالهم، فهم يتدرجون ويتفاوتون.
المقصود: أنهم كمجموعة يثبتون الأسماء ويثبتون بعض الصفات وينكرون البعض الآخر أو يؤولونه، ومما يثبتونه من الصفات سبع وبعضهم يجعلها أحد عشرة وبعضهم ثلاثة عشر، وبعضهم عشرين، مع التفريعات والتشققات، والباقي يؤولونه.

والاستواء والوجه وأمثالهما مما يطلقون عليه أنه جوارح وأعضاء وأركان هذا من أعظم ما تنفيه الأشعرية وبالتالي ينفيه المعتزلة بطبيعة الحال؛ لأنهم ينفون جميع الصفات، وبطبيعة الحال تنفيه الجهمية لأنهم ينفون الكل وكذلك الباطنية، فكل النفاة وكل المؤولين يشتركون جميعاً في نفي الصفات.
قال المصنف: [فإبليس -مع كفره- كَانَ أعرف بربه من الجهمية]، هذا القول إذاً ينطبق عَلَى جميع هَؤُلاءِ، وإن كَانَ إبليس قد كفر به ولكن كفره من كفر الكبر والإباء ((إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)) [البقرة:34].